عناكبُ في الفضاء

spider3_space
منذ لحظة الإعلان عنهم، عاشت العناكب في الفضاء تحت محطّ أنظار العالم، وهذا بالطبع لمشاهدة زوجٍ من العناكب مِنْ نوعِ غازلِ كرةِ الحريرِ الذهبيةِ، أو ما يُعرف بعنكبوت الموز، وهي تتكيفُ مع الجاذبية الصغرى (انعدام الوزن) في محطة الفضاء الدولية. ونتيجة لذلك وصل هذان العنكبوتان -اللذان سُمّيا بـ(غلاديس وإزميرالدا) من قبل رائد الفضاء كادي كولمان- إلى مرتبة الشُّهرة.
تُعتبر العناكب جزءًا من بحثٍ علميٍّ يُسمّى جهازَ علمِ المعالجةِ الحيويةِ الشامل مدخل 05 أو (CSI-05)، هذه الدراسة تَشمل زوجَ العناكبِ في مساكنَ منفصلةٍ تَضم غرفًا لإمداداتِ الطعام من ذبابِ الفاكهة، ويُحاكي الضوءُ الصناعيُّ عمليةَ الليلِ والنهارِ، وكذلك التحكمَ في درجاتِ الحرارة والرطوبة، تستوطن هذه البيئات داخل جهاز علم المعالجة الحيوية الشامل، في المحطة التي تتحكم في تصوير أنشطة العناكب.
 

أحد العناكب الذهبية على متن محطة الفضاء الدولية. (وكالة ناسا)

بعد إطلاقها كجزءٍ من الرحلة الأخيرة لمكوك الفضاء إنديفور في 16 مايو 2011م، وَجدت العناكبُ أنّ شُهرتَها في ازدياد.
المعلمون سجلوا أكثر من 130 ألفَ طالبٍ حتى الآن، اكتسابًا لموادَّ تعليميةٍ، وفرصةٍ لضبطِ ومراقبةِ سلوكيات العناكب عبر الفيديوهات التي تَبثُّها محطةُ الفضاء الدولية.
متقلبةُ المزاج مثل مغنيات الأوبرا، أظهرتْ إزميرالدا في الجاذبية الصغرى مهاراتِ صيدٍ حادةً أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى. الفيديو الخاصُّ بالتهامها للذبابة في يوم 26 مايو 2011م موجودٌ على منصة اليوتيوب.
تُواصلُ المَدارسُ حول العالم المشاركةَ في دراسة العناكب عبر زيارة موقع BioEd، من خلال هذا الموقع يُمكن للمعلمين تنزيلُ دليلٍ حولَ كيفية إنشاء بيئةٍ متكاملةٍ للعناكب لفصولِهم الدراسية، تعليقًا على ذلك؛ تقولُ العالمةُ المساعدةُ في برامجِ محطة الفضاء الدولية تارا روتلي: “العناكب والفضاء هما شيئان يستحوذان على خيال معظم الأطفال، لذا فإنها وصفةٌ رائعةٌ لتدريس العلوم في المدرسة.”
وتُضيف قائلةً: “أعتقدُ أنّ هذا سوف يَخلقُ ذكرياتٍ رائعةً للطلبة، وطريقةً لإظهار كيفَ للعلوم أنْ تكونَ مُسليةً، لأنَّ حِصصَ العلوم تُصبح أكثرَ صعوبةً مع مرور السنوات”.
حتى قبلَ أنْ تُغادر العناكبُ الأرضَ، شعبيُّتها كانت ظاهرةً، كما رأينا في الحدث الذي أقامته وكالةُ الفضاء ناسا على منصة تويتر في يوم 28 أبريل 2011م، هذا الحدثُ الذي أقامتْهُ ناسا لتُـتيحَ لمستخدمي تويتر الاستماعَ إلى خبراء الوكالة وهم يتحدثون حول المواضيعِ المتعلقةِ بالبعثة، ويُشاركونَها بشكلٍ مباشرٍ عبرَ منصةِ التواصل الاجتماعي، عندما قامَ أحدُ أشقاءِ العناكبِ – الذين كانوا متواجدينَ داخلَ المكوك – بالظهورِ مباشرةً لِـيُـلْهِمَ المستخدمين للتغريد بشكلٍ جنونيٍّ.
روتلي كانت إحدى المتحدثينَ في الحدث، ولها دورُ مجادل العنكبوت غير الرسمي في الحدث، الذي أقيم في مركز جون كنيدي التابع لوكالة ناسا في فلوريدا، تقول: “بينما كنتُ أُعطي كلمتي في الحدث، دخلَ العنكبوتُ في مسكنه الجديد، يبدو لي أنّه كان سعيدًا بما يكفي لينسج شبكتهُ المذهلة”، وتُضيف العالمة: “أعتقد أنّ سببَ نجاح العنكبوت مع العلماء، لأنّ طبيعةَ العنكبوتِ هي نسجُ الشبكاتِ، وهو الشيءُ الذي يَستطيع أيُّ أحدٍ فَهْمَه”.
 

رائدة الفضاء  كادي كولمان تظهر بيئة السكن  للعنكبوت. (وكالة ناسا)

 

في الواقع، يَنسج عنكبوتُ غازلِ كرةِ الحريرِ الذهبية شبكتَه ثم يأكلها بشكل يومي، تُزوِّد هذه الممارسةُ العنكبوتَ بالبروتينِ الضروريِّ لتجديدِ الشبكة كلَّ يومٍ، وقد لاحظت العالمةُ روتلي ذلك بشكلٍ مباشرٍ فتقول: “لاحظتُ أن الشبكةَ اختفتْ صباحَ اليومِ التالي؛ ذلك لأنَّ العناكبَ تقوم بأكلِ الشبكة خلال الليل، ونَسجِ شبكةٍ جديدةٍ في اليوم الثانِي.”
تنسجُ عناكبُ غازلِ كرةِ الحريرِ الذهبيةِ شبكتَها غالـبًا في ثلاثة أبعادٍ غيرِ متماثلةٍ على الأرض، لكنّها في الفضاءِ تَغزلُ شبكاتٍ أكثرَ دائريةً، كذلك تُفضِّل هذه العناكبُ النسجَ وَفقَ جدولٍ زمنيٍّ، بالمقارنةِ مع عناكبِ الغزلِ المدارية من البحث السابق (CSI-03)، التي تَنسج في كلِّ أوقات اليوم. يقول ستيفاني كونتري مان، مدير مشروع CSI-05 في تقنيات الفضاء الحيوية بجامعة كولورادو: “تُظهر هذه العناكبُ التزامًا صارمًا بنَسجِ شبكتِها في الصباحِ الباكر، ثم أَكْلِها بعدَ إطفاءِ الأنوار”.
عبر مشاهدة كيف تَتحكم العناكبُ في نَسجِ شبكتِها على الأرض ومقارنتِها بـ (غلاديس وإزميرالدا) في الفضاء، يأملُ الطلابُ والعلماءُ في فهمِ تغيُّرات سلوك العناكب واستجابتِها لبيئة الجاذبية الصغرى (انعدام الوزن) بشكلٍ أفضلَ. الدراسةُ ستأخذُ 45 يومًا فقط، لكنَّ تأثيرَ هؤلاء المشاهيرِ الصغار سيُخلَّد في بياناتِ الدراسةِ وفي عقول المعجبين بهم.
============================================================
ترجمة: Atiyah Alhasadi 
تعديل: جوهر علي 
تصميم: amjed kharwat 
تدقيق ومراجعة لغوية: محمد السنوسي عامر 
المصدر : 
Facebook
Twitter
LinkedIn