اسهامات علماء المسلمين في تقدم علم الفلك الحديث

Istambul_observatory_in_1577

مقال يسلط  الضوء على بداية اهتمام الإنسان بعلم الفلك والدور الكبير الذي لعبه علماء المسلمين في ولادة وتقدم علم الفلك الحديث.

للكاتبة :- شانون ستيرون. تاريخ النشر : الثلاثاء  14/2/2017.

كان هناك العديد من الإسهامات الفلكية طوال ألف سنة لدرجة أنه من الصعب اختيار البعض منها دون غيره.

قد يكون علم الفلك هو العلم الطبيعي اﻷقدم في العالم، فقبل بداية البشر بدراستهم المنهجية للسماء، كنا نمد أعناقنا للأعلى لمراقبة التحركات الغريبة لبعض نقاط الضوء اللامعة ومراقبة ثبات الأخرى.

ولذلك أدخلت حضارات العالم كل ما يخص علم الفلك في كل شيء، بداية من أسلوبهم في الفن المعماري إلى أسلوبهم في السرد القصصي؛ وبينما ظن البعض أن فترة عصر النهضة هي الفترة التي بلغ خلالها علم الفلك أوج ازدهاره، إلا أنه في الحقيقة ازدهر قبل ألف سنة  وعلى بعد 5.000 ميل شرقا، في حوالي القرن السادس بعد الميلاد عندما كانت أوروبا تعيش في عصر الظلام أو الحقبة السوداء.

حيث شهدت الفترة التي تمتد من سنة 500 إلى 1400 بعد الميلاد – قمع للمعرفة والفكر الثقافي في كل أنحاء قارة أوروبا، وذلك بسبب النظر إليهما كتعارض مع الدين المسيحي والكنيسة، وطوال هذه الفترة، قلت اﻷعمال الكتابية وركدت البحوث والملاحظات العلمية.

وبينما كانت أوروبا في غيبوبة ثقافية، بدأت الإمبراطورية اﻷسلامية، التي تمتد من الأندلس إلى مصر وحتى الصين تدخل” العصر الذهبي”، وحظي علم الفلك اهتماما خاصا من قبل الباحثين الإسلاميين في إيران والعراق على وجه الخصوص، وإلى وقتنا هذا، كان كتاب “المجسطي” للكاتب الإغريقي بطليموس، الكتاب الوحيد في علم الفلك والذي كتب سنة 100 بعد الميلاد في اليونان. لازال يستخدم هذا الكتاب القدير كمرجع أساسي في اﻷكاديميات لعلم الفلك القديم. انتظر الباحثون الإسلاميون 700 سنة لترجمته إلى العربية، وما إن تمت ترجمته حتى شرعوا في فهم محتواه.

ووجد العلماء الفلكيون مثل ابن يونس من مصر أغلاط في حسابات بطليموس حول دوران الكواكب واختلاف مركزيتهن، كان بطليموس يحاول إيجاد تفسير عن كيفية دوران هذه الأجسام في السماء، وتشمل كيفية دوران الأرض ضمن هذه المعايير. واعتقد بأن تمايل أو تذبذب حركة الارض مثلما نعرف، تغيّر درجة واحدة خلال كل 100 سنة.

لكن في وقت لاحق، اكتشف العالم الفلكي ابن يونس بأن بطليموس كان مخطئاً الى حد كبير، والحقيقة هي أنها كانت درجة واحده خلال كل 70 سنة. على كل حال، هم لم يدركوا بأن سبب هذا التغيير هو ميول الأرض، وذلك نتيجة لاعتقادهم القوي الذي استمر حتى القرن العاشر بإن الأرض هي مركز الكون. هذا الاكتشاف لابن يونس وغيره من الفلكيين غيّر الصورة الطبيعية لعلم الفلك الى الابد. في النهاية، أي في القرن السادس عشر قدم كوبرنكيوس نموذج مركزية الشمس حيث عزّز من إنشاء هذا العمل.

كان تقدُّم علم الرياضيات مطلوب بالنسبة لعلم الفلك، حيث طوروا الفلكيون شكلين أساسين من هذا العلم وهما: علم المثلثات والجبر وذلك تدقيقاً لصحة حسابات النجوم.  خاطب البروفيسور جميل راغب في جامعة McGill للدراسات الإسلامية الفلكيين قائلاً ” بأنه كانت هناك إسهامات عديدة على مدى ألف عام من المستحيل ذكر حتى قليل منها “.

وفي القرن الثامن أثناء خلافة مأمون الرشيد، تم بناء أوّل مرصد فلكي في بغداد وتباعاً تم بناء المراصد في أنحاء إيران والعراق. بما أن هذا حدث قبل أن يتم تطوير التليسكوب، أخترع فلكيّو تلك الفترة آلة سُدُس رصديّة. هذه المعدّات، بعضها بطول 40 متراً، كانت مهمّة لدراسة زاوية الشمس، تحرّكات النجوم، وفهم الكواكب الفلكيّة.

خلال نفس الفترة عام 964، بعد العديد والعديد من المشاهدات، نشر أحد أشهر علماء الفلك الإيرانيين عبد الرحمن الصوفي كتاب (صور الكواكب الثمانية والأربعين) أحد أكثر النصوص قابليّة للفهم في وصف الأجرام الفلكيّة في السماء. كان عبد الرحمن الصوفي أيضا أوّل عالم فلك يرصد مجرّة اندروميدا وسحابة ماجلّان الكُبرى. وضِعت هذه المُلاحظات تماماً بالعين المجرّدة بما أن التليسكوب حينها لم يكن موجوداً، لم يعرف طبعاً بأنها كانت مجرّة في ذلك الوقت، دوّنها في ملاحظاته على أنها “لطخة سحابيّة”. سيثبت هذا العمل لاحقاً فائدته للعالم الفلكي المشهور الدنماركي تيخو براهي.

لاحقاً في القرن الثالث عشرة، اخترع العالم والفيلسوف نصير الدين الطوسي مزدوجة الطوسي الشهيرة، أسعد أحمد، بروفسور في الدراسات الإسلامية وتاريخ العلوم في جامعة كاليفورنيا في بركلي يفسّر “كان هدف هذه المزدوجة هو شرح الحركة الطوليّة الواضحة لبعض الأجسام السماويّة على أساس حركة دائريّة.” لكن كما نعلم الآن، التحركات في السماوات مستمرّة وليست ثابتة. واجه بطليموس بعض المشاكل في تفسير هذه الظاهرة لذا مزدوجة الطوسي كانت قادرة على شرح الحركة الطولية في الاتجاهات المتعاكسة بوضع دائرة أصغر داخل دائرة أكبر. أصبحت مزدوجة الطوسي من بعد ذلك حاسمة في فهم كوبرنيكوس لهذه التحرّكات أثناء عمله في عصر النهضة.

 

ابن الهيثم، أحد أشهر علماء الفلك والمفكّرين في الإسلام معروف بأنه “أبو البصريات” لأنّه كان أوّل شخص يحل لغز كيفيّة إدراكنا للضوء. اكتشف أن الضوء يسافر في خطوط مستقيمة إلى أعيننا وليس خارجاً منها. لمئات السنين كان الظن عند الناس مثل بطليموس أن أعيننا هي التي تبعث الضوء، كضوء فلاش داخلي. قام عمله بتطوير الكاميرا المُظلِمة وساهم من بعدها في اختراع التليسكوب.

ربّما كانت أكبر مساهمة قام ابن الهيثم بتقديمها للعالم هي طريقة منهجيّة لإجراء الاختبارات بشكل متكرّر لاختبار صحّة نظريّة، تم التعارف عليها بأنها الطريقة العلمية، أساس العلم كما نعرفه. كتب في بحثه أنه، “من واجب الشخص الذي يتحقّق من كتابات العلماء، إذا كانت الحقيقة هي مبتغاه، هو أن يجعل نفسه عدوّاً لكل ما يقرأه، و … يهاجم من كُلِّ اتجاه. يجب أن يشكّك أيضاً في نفسه أثناء تطبيقه لاختباراته تلك، لكيلا يقع في فخ التحامل أو التساهل.”

خلال هذا الوقت، من بداية العصر الذهبي حتّى مطلع عصر النهضة، تم إنشاء عديد الجامعات والمدارس في أنحاء الإمبراطوريّة الإسلامية، وفي عام 859 ميلادي أُنشِأَت أوّل جامعة في مدينة فاس في المغرب. فكّرت بها وقامت ببنائها فاطمة الفهري، ابنة تاجر ثري. سافر هناك طلّاب علم من شتّى أنحاء العالم من ضمنهم علماء نصارى ويهود ليدرُسوا علوم الفلك، الرياضيات والفلسفة.

وفي تلك الفترة كانت عديد المدارس والمساجد تُديرها وتُشرف عليها نساء مسلمات درسن مواضيع مثل الأدب والجبر، جزء من الرياضيات أتقنه أيضا المسلمون. أحد أكثر الأدوات الفلكية شهرةً والتي تُدعى الإسطرلاب تم اختراعها من قِبل المفكّر اليوناني هيبارخوس ولكن تم استكمالها من قِبل العلماء المسلمين، تحديداً امرأة. طوّرت الإسطرلاب السوريّة مريم الأسطرلابي في القرن العاشر. عُرفت بإتقانها لصناعة هذا الأدوات المختصّة في حساب ارتفاع الأجسام السماويّة. على شرفها، قام العالم الفلكي هنري هولت بتسمية حزام شهابي رئيسي باسمها في عام 1990.

هذه فقط نماذج لبعض الأعمال التي قام الفلكيّون، الفلاسفة والعلماء المسلمون بإنجازها، خلال آلاف السنين، ودراسة الفلك في بلاد الإسلام لم تنتهي تماماً، ففي العام الماضي أعلن علماء من قطر ضمن المشروع القطري للبحث عن الكواكب النجميّة عن اكتشافهم 3 كواكب نجميّة تدور في فلك نجوم أخرى.

يحتوي الضوء القادم من النجوم على قصّة خاصّة به، استغرقه الأمر عشرات الآلاف من السنين ليصل إلى أعيننا ومرايا تلسكوباتنا. بعد قرون من الزمن، يحمل حوالي 200 نجم اسماً عربياً لعلماء فلك قاموا بمساهمات مهمّة في هذا المجال. توجد على سطح القمر 24 فوّهة سمّيت بأسماء علماء مسلمين عبّدوا الطريق لعلماء وفلكيي العصر الحديث.

دراسة الكون هو شيء متأصّل في الثقافات العالميّة بقدر ما تصادفه أعيننا. إذا نظرت يوماً إلى حزام الجوزاء أو إلى المئزر وسها، النظام النجمي الثنائي في الدب الأكبر، إذاً فأنت قد حظيت بلمحة بسيطة عن الإرث العظيم الذي تركه علماء الإسلام حول العالم.

 

ترجمة :

1 – جوهر علي.

2 – مريم علي.

3 – سلسبيل الحصادي.

جمعية رؤية لهواة الفلك.

Facebook
Twitter
LinkedIn