الثقوب السوداء و الزمن

FB_IMG_1521359747788
الثقوب السوداء

وكما وعدناكم متابعينا، نستكمل في هذا المقال حديثنا عن الثقوب السوداء وكيف أنها تؤثر على الزمن، ومن شاهد فيلم انترستيلر لديه فكرة جيدة عن الموضوع(ان لم تشاهده شاهده!).

ولكن قبل أن نعرف كيف يتوقف الزمن عند الثقوب السوداء، علينا أولا أن نطرح السؤال التالي:

ما هو الفضاء؟

الآن قد يبدو هذا السؤال اعتباطيا للبعض فالفضاء هو المكان الذي توجد فيه جميع الأشياء صحيح؟! في الواقع السؤال أعمق من هذا بكثير!

حسنا تخيلوا معي لو توقفنا للحظة وقمنا بنفي جميع الأشياء من حولنا الى العدم، المباني السيارات، البشر، ماذا لو قمنا بنفي الأرض نفسها وكل الكواكب والنجوم، كل شيء حرفيا من أصغر ذرة الى أكبر مجرة!

ما الذي سيتبقى لدينا؟

لا شيء صحيح، فضاء فارغ نقطة من أول السطر وانتهينا؟!

اممممم ليس تماماً.

قد يوافقكم أبو العلم الحديث(نيوتن) في ذلك، ولكن أبو النسبية(آينشتاين) ستكون لديه وجهة نظر أخرى.
نيوتن كان أول من نظر للفضاء بشكل علمي، بالنسبة له الفضاء كان عبارة عن المسرح المطلق والثابت الذي تحصل فيه جميع الأحداث،

استمرت هذه الفكرة عن الفضاء لقرنين من الزمن فسر فيها نيوتن ومن جاء بعده من الفيزيائيين الجاذبية والكهرباء والعديد العديد من الأشياء، ولكن آينشتاين (وهنا تكمن عبقريته الحقيقية) لم يعبر هذه الفكرة بأريحية كما قد يفعل معظمنا، واكتشف أن الفضاء ذاته أكثر من مجرد مسرح، اكتشف أن الفضاء في الواقع ممثل، ويلعب دورا رئيسيا في الدراما الكونية!

أدرك آينشتاين أن الفضاء عبارة عن شيء (كالنسيج الكوني) شيء يمكن ثنيه ولويه بواسطة الأجسام، وهذا الانحناء يكون ملحوظاً أكثر كلما كانت هذه الأجسام ثقيلة، الشمس على سبيل المثال تقوم بحني الفضاء حولها، ككرة بولينغ موضوعة على قطعة قماش متمددة.

وليس الشمس فقط من تقوم بحني الفضاء انما أي شيء لديه كتلة وزخم، الأرض تقوم بحني الفضاء، القمر يقوم بحني الفضاء، أنت تقوم بحني الفضاء، الدلاع يقوم بحني الفضاء!

وبالتأكيد الثقوب السوداء تقوم بحني الفضاء!
وليس الفضاء( أي المكان) وحده هو ما يتم حنيه وتمديده بواسطة هذه الأجسام، انما الزمان أيضا يتمدد معه!

بعد نسبية آينشتاين لم يعد المكان والزمان شيئان منفصلان ومطلقان، انما أضحيا نسبيان ومرتبطان، كوجهان لعملة واحدة، تفعل شيئا في أحدهما فيتتأثر الاخر، لن نخوض الان في تفاصيل النسبية أكثر، ولكننا للحظة يجب أن نحيط علماً بحقيقتين في غاية الأهمية،

1- كلما زادت حركتك خلال المكان كلما قلت حركتك خلال الزمان.

2- كلما تعرضت لمجال جاذبية أكبر كلما بطئ الزمن لديك أكثر (باعتبار الجاذبية “تسارع” في المقام الأول!)

ترون الى أين نتجه! في المقال السابق قلنا أن الثقوب السوداء تعتبر أقوى مصادر الجاذبية في الكون صحيح؟!

وبالأخذ بالاعتبار الحقيقة رقم 2 من النسبية يمكننا الاستنتاج أن أكبر تباطؤ في الزمن يمكن أن يحصل سيحصل في الثقوب السوداء.

اذن لنفرض أنك متجه في طريقك نحو ثقب أسود، وأنا جالس على بعد مناسب أحتسي السحلب وأراقبك بواسطة تيليسكوبي الخارق، فمن وجهة نظري سأشاهدك تسقط ببطئ كلما اقتربت من الثقب الأسود، لأن الزمن لديك يدق أبطئ وأبطئ كلما اقتربت أكثر من جاذبية الثقب الأسود، لدرجة أني سأكمل كوب السحلب ولن تتحرك الا بضعة أمتار بالنسبة لي (مع أنك في الواقع تتحرك بسرعة هائلة!

ربما قد يعتقد البعض أن ما أحكيه الان مجرد “فرضيات”، ولكنه لا ليس كذلك! تباطؤ الزمن بسبب الجاذبية شيء حقيقي جدا ولا يحدث في الثقب الأسود فقط، في الواقع هناك تجارب تم تطبيقها بواسطة ساعات فائقة الدقة هنا على الأرض أوضحت أن الزمن لشخص يقف بالقرب من البحر يدق بشكل أبطأ بالنسبة لشخص يقف عند قمة الهيمالايا، وذلك لأن الشخص الذي يقف بجانب البحر هو أقرب لمركز جاذبية الأرض.

بكلمات أخرى لو لدينا توأمين أحدهما يعيش بجانب البحر والاخر على قمة الهيمالايا فإن الذي يعيش بجانب البحر سيكون أصغر بمليارات الأجزاء من الثانية من الاخر .

مقدار التمدد الزمني ضئيلة جدا كما نلاحظ لان فروق الجاذبية صغيرة هنا، ولكن بالعودة للثقب الأسود فان الجاذبية جدا كبيرة وتأثيرها على الزمن أكثر من ملحوظ!
حسنا الان لنرجع لك وأنت تسقط متجهاً نحو الثقب الأسود، أين توقفنا؟

أجل سأملؤ كوب سحلب اخر، وأنا أشاهدك تسقط ببطئ داخل الثقب الأسود ستصل لمرحلة حيث أشاهدك متوقفاً عند سطح الثقب الأسود، سأكمل ابريق السحلب كاملا ولن أراك تتقدم أي سنتيمتر!

ما الذي حصل لك؟ الزمن توقف لديك!

وسأبقى أشاهد صورتك هذه متجمدة للأبد. -في الواقع سأمل بسرعة وسأغادر بعد ساعتين-.

حسنا هذا ما سأراه أنا كراصد يراقب من بعد سأراك متجمدا في الزمان! ولكن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ستشاهده يحدث؟
في الحقيقة ما تخبرنا به النسبية والمعادلات هو أن الزمن بالنسبة لك سيمر بشكل طبيعي وستستمر في الولوج داخل الثقب الأسود وكأن شيئا لم يحدث، رغم أنك بالنسبة لي ستبدو متوقفا في الزمن!

هذه هي نسبية الزمن، وهذه الفكرة هي التي ظهرت لنا بامكانية السفر عبر الزمن، فلو تذهب الآن وتمضي وقتا بجانب ثقب أسود ثم تعود للأرض، ستجد أننا في القرن 22 وستجد السيارات تطير ويأتي لك ابن ابنك الصغير بعكازه شائبا ليذكرك بعظمة السحلب الذي كانت تعده جدته.
لازالت الثقوب السوداء تحمل في طياتها الكثير، وسنة 2018 تعتبر مرحلة مهمة في فهمها مع اقتراب جهازية تيليسكوب أفق الحدث الذي سنحكي عنه في منشورات لاحقة! بودنا الاستمرار والحديث أكثر عن هذه الأمور الفيزيائية الشيقة، ولكن تبقى مقالاتنا هي مجرد بوابة تفتح آفاق هذا الكون الرائع أمامكم، ولكم حرية الاستكشاف!
______________________
كتابة: Amjed Khrwat
مرجع: The fabric of the cosmos

 

 

جمعية رؤية لهواة

جمعية رؤية لهواة الفلك. 
Facebook
Twitter
LinkedIn